المنشطات الجنسية تفتح باب الغش والتدليس والموت أيضاً

في تقرير أصدرته مؤخراً منظمة الصحة العالمية، حذرت من التنامي اللافت لتعاطي المنشطات الجنسية في منطقة الخليج، والجديد في الإحصائيات التي أوردها التقرير هو احتلال فئة الشباب ما بين 25 – 35 سنة للحصة الأكثر من نسبة متعاطي هذه المنشطات التقرير رصد منطقة محددة، لكن وبحسب (توفيق داوود) أستاذ علم الاجتماع في جامعة دمشق فإن مجتمعنا ليس بمعزل عن الكلام السابق إذ أن تغييراً ما طال التركيبة المجتمعية لدرجة اتجه فيها عدد كبير من الشباب السوري لتعاطي المنشطات الجنسية بنوعيها الكيميائي والنباتي إضافة لنسبة لا بأس بها من المتقدمين في العمر، وإن كانت الكفة ترجح لصالح الشباب وفقاً للصيدلاني (منصور الخطيب) والذي امتهن العطارة منذ خمسة عشر عاماً تقريباً، وهو الأعرف، كما يقول، بما يحدث في الخفاء من ناحية إقبال الشباب على تعاطي المنشطات من جهة ولجوء العطارين للغش والتدليس تحت بند المنشطات الجنسية يقول: (في سوق العطارين الآن خلطات غريبة وعجيبة يقال إنها منشط جنسي، أغلبها مغشوشة، صحيح أن معظم العطارين يستوردون أعشاباً من الصين والهند ووسط أفريقيا وتحت تسميات معروفة، لكنهم وببساطة يستغلون حاجة الزبون لابتزازه وإعطائه خلطة لا أساس لها من الصحة مقابل 10000 ل.س أو 35 ألف ل.س ثمناً لمادة مغشوشة، إذ يقوم بعض العطارين بشراء حبوب الفياغرا وطحنها وخلطها مع العسل أو مع أية خلطة أخرى فيخيل للمصاب بالعجز الجنسي أنه تماثل للشفاء، وزبائننا أغلبهم من الشباب وازداد عددهم خصوصاً في السنوات الخمس الأخيرة) ويفسر هذا الأمر الطبيب النفسي (محمد دندن) باعتبار الشباب اليوم أكثر عرضة للمؤثرات الخارجية والتقنيات بقوله: (التلفزيون، الإنترنت، والمعلومة الجنسية التي تقدمها للشاب هذه التقنيات بشكل خاطئ وغير حقيقي، يجعله عرضة للإحباط جراء إصابته بقلق يتعلق بأدائه الجنسي، فيلجأ لوصفات لا أساس لها من الصحة).

وصفات خلبية بأسعار مرتفعة:
يؤكد (منصور الخطيب) أنه لا يوجد عطار واحد في سوق العطارين يعرف المضاعفات الصحية الناجمة عن استخدام الأعشاب المنشطة جنسياً مما يجعل المريض عرضة لانتكاسات صحية تتفاوت درجة خطورتها وفقاً لحالة المريض الصحية ومدى تقبله لتعاطي مثل هذه المنشطات ويتابع: (الضعف الجنسي ناجم عن نقص بهرمونات النخاما أو النخاما طبيعية وهناك نقص بالهرمون الجنسي أو ضعف جنسي ناجم عن حالة التقدم بالعمر أو التهاب الأعصاب الذي منع انتقال السيالة العصبية، من الضفيرة الخثلية إلى الأعضاء الجنسية، وكل حالة من هذه الحالات لها نظام معالجة مختلف وما يحدث هو سوء فهم من قبل العطارين لآليات تأثير الأعشاب المستخدمة أو المواد الكيمائية كالفياغرا مثلاً إضافة لوجود نباتات تستخدم لمعالجة الرجال وأخرى للنساء والعطارين يعطون الدواء نفسه للجنسين معاً).
وبهذا فإن وصف الخلطات المنشطة جنسياً دون التشخيص الجيد لحالة المريض هي أحد المطبات التي يقع فيها العطارون معرضين المريض لمخاطر صحية تصل لحد الموت أحياناً بحسب الصيدلاني (بسام أبو السعود) قال: (هناك خلطات غير موثوقة يدخل فيها الكثير من الدجل علماً أنها تؤثر على الدورة الدموية، فهناك نبتة العنبر ترفع ضغط الدم، ومثلاً لدينا شخص يعاني من ضعف جنسي ولديه ضغط عالٍ إذا أعطيناه النبتة السابقة نكون قد سببنا له مشكلة صحية، أو شخص لديه ميوعة دم وأعطيناه مثلاً الزنجبيل أو عشبة أخرى تسبب جريان الدم يجعله هذا الأمر عرضة لنزيف دموي، وتبقى الطامة الكبرى لدى مرضى القلب الذين يتعاطون منشطات كيميائية أو نباتية فمادة الفياغرا مثلاً عندما تتحلل بالجسم تنتج مركبات تحت آزوتي هناك وقاءات بالجسم كفيلة باستهلاك هذه المادة لكن عندما يكون لدينا مريض يتعاطى أدوية النترات كمرضى القلب يتشكل في الجسم كمية كبيرة من حمض تحت الآزوتي قد يتلف الجملة العصبية المركزية للمريض وتتسبب بحالة وفاة).
الكلام السابق يؤكد ضرورة إجراء المريض المصاب بالعجز الجنسي للعديد من التحاليل قبل خضوعه لأي نوع من أنواع العلاج وفقاً للطبيب (أسامة دمشقية) أخصائي البولية فبرأيه: (يجب أن يكون هناك حالة تشخيصية للمريض قبل خضوعه للعلاج حتى الأدوية التي توصف له يجب أن تأخذ تحت إشراف طبي احتياطاً فقد يكون المريض مصاباً بآفات قلبية أو ضغط عالٍ، والغريب الآن هو لجوء المرضى للعطارين رغم وجود مواد نباتية كثيرة الآن منشطة جنسياً في الصيدليات، والحديث هنا يقودنا لشق آخر وهو إعطاء المنشطات الجنسية للمريض دون وصفة طبية رغم صدور قرار من وزارة الصحة يمنع هذا الأمر، لكن العديد من أصحاب الصيدليات لا يلتزمون بهذا القرار فيمكنك ببساطة دخول إحداها والحصول على منشط جنسي بل يعرض أمامك أنواع عدة من المنشطات وما عليك سوى الاختيار) ويضيف دمشقية: (تراجعنا حالات مستعصية كشاب لم يتمكن من الزواج في ليلته الأولى وآخر يعاني من ضعف جنسي، ومعظمهم يقرون بأنهم استخدموا جميع أنواع المنشطات الموجودة سواء باللجوء إلى الصيدليات وللعطارين في آن واحد، وكل هذا دون استشارة طبيب أو الحصول على وصفة طبية، عموماً حالات الضعف الجنسي تضاعفت في الفترة الأخيرة ولدى الشباب تحديداً، فالعنة تصيب كبار السن وصغار السن أيضاً).

دكاكين للعطارين بعيدة عن الرقابة:
وإزاء المعطيات السابقة وجد البعض باباً واسعاً للغش والتدليس ببيع المنشطات الجنسية بأسعار مرتفعة من ابتكار وصفات جديدة يدعي العطارون بأنها وصفات سحرية مع العلم أن كل ما يطرحونه من وصفات وخلطات هي غير مرخصة ولا مسجلة في وزارة الصحة وبعيدة عن الرقابة الصحية، وفقاً للدكتور (منصور الخطيب) الذي قال: (تقدمت بشكوى لوزارة الصحة وأخرى لمديرية التموين دون فائدة تذكر والآن هناك إضافة للخلطات المنشطة كبسولات تباع رغم أنها غير مسجلة في وزارة الصحة، ولا تعرف ما هي المواد المعبأة بها) وبحسب (هند السباعي) مديرة الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة فإنه: (لا يوجد دواء يسجل في الوزارة تحت بند المنشطات الجنسية، وإنما تحت اسم دواء، فالفياغرا مسجلة بالوزارة وتصنع محلياً وكذلك مطوراتها أما الخلطات العشبية الموجودة في سوق العطارين، فليس لوزارة الصحة أية علاقة بها وهي غير مسجلة في الوزارة).
ولا يقتصر الأمر على دكاكين العطارين، وإنما هناك من يطرح نفسه كطبيب يعالج بالأعشاب رغم أنه لا يمتلك أي مؤهل علمي، فـ(صالح. ع) وبعد عمله لمدة خمسة وعشرين عاماً مع (أبي صطيف) الذي يعالج حالات الضعف الجنسي بالأعشاب، ويتابع مزاولة مهنته الأصلية بالحدادة اكتسب على حد قوله مهارة تساعده على معالجة المرضى أيضاً يقول: (اعتمادنا على الله، ولدينا مرضى من مختلف البلدان العربية وكل من يراجعنا يشفى خلال فترة قصيرة) فأين هي الرقابة الصحية والتموينية من كل ما يحدث..؟!.
د. (أنور العلي) مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد يؤكد بأنه (هناك متابعة للأسواق وبشكل يومي من خلال عناصر حماية المستهلك التي تقوم بتدقيق كافة السلع المطروحة بالأسواق ومن بينها ما يتداوله الناس حالياَ من ناحية التداوي بالأعشاب وأي منتج غير مرخص من قبل وزارة الصحة تتم مصادرته من قبل عناصرنا، ونقوم الآن بتسيير دوريات مشتركة إلى كافة الأسواق لمصادرة كل ما يتعلق بالمنتجات ذات الصفة الطبية وتختلف هذه الحالة استناداً للبيانات التي توضع على هذه المواد فمنهم من يكتب مقويات جنسية، طبعاً هذا الأمر ينطبق على هذه السلع من حيث المصادرة والإتلاف وفقاً لأحكام قانون منع الغش والتدليس وتعديلاته وقانون التموين والتسعير اللذين يحكمان السوق المحلي).
أما (أحمد كيوان) المراقب التمويني في مديرية حماية المستهلك فيتحدث عن آلية العمل: (يتم سحب عينات من الخلطات المنشطة جنسياً والمسجلة في وزارة الصحة لمعرفة مدى مطابقتها للمواصفات المذكورة، وخلطات يتم سحبها من سوق العطارين غير مسجلة في الوزارة، وهذه يجب أن تخضع للرقابة الصحية إضافة لتقليد بعض العطارين لعينات مسجلة كتقليد العسل الملكي بإضافة لكبسولات يتم بيعها بدون رقابة صحية والعام المنصرم صادرنا كميات كبيرة منها).
في حين أن مديرية التجارة الداخلية بدمشق تعتمد على الشكاوى المقدمة من قبل المرضى بحق هؤلاء العطارين لتتمكن من تسطير مخالفات بحقهم إذ أنه ووفقاً لـ(محمود المبيض) مدير التجارة الداخلية بدمشق:
(يتم تسطير المخالفات بحق أي عقار طبي مرخص من قبل وزارة الصحة ومخالف للمواصفات، بينما العطارون لا يتقيدون بترخيص صحي للمادة التي يتم بيعها لذلك لا يمكن ضبط مخالفتهم بدون شكوى كونها تباع بشكل سري ولا يتم الإعلان عنها وما يتم سحبه من الأسواق هو العقار الطبي الذي لا يحتوي بطاقة بيان أو فيه نقص أو خلل في بطاقة البيان).
إعلانات تفرش البحر طحيناً:
وداعاً للضعف الجنسي، ولا قلق بعد اليوم، النصائح تقدم مجاناً في الإعلان المذكور الخاص بخلطة عشبية لكن السعر يصل لحد 20000 ل.س إضافة لإعلانات أخرى تنشر في الصحف الإعلانية يعتقد المريض وبعد قراءتها أنها مسحة سحرية تخلصه من كافة مشكلاته الجنسية كإعلان لجهاز يعالج الضعف الجنسي يسجل عليه نتائج فورية مهما كان السبب يؤدي لحياة أكثر سعادة وشباب دائم، فهو فعال وآمن وجهاز آخر ساعد الملايين لإعادة حياتهم الطبيعية وغير ذلك من إعلانات لخلطات وأجهزة غير مسجلة أيضاً في وزارة الصحة، ويتم الإعلان عنها وتستقطب زبائن كثراً وفقاً لبائعي أحد الأجهزة مع العلم بأن هذه الأخيرة والكلام لـ(الطبيب دمشقية) ذات تأثير مؤقت وما يتم الإعلان عنه مبالغ فيه ولا يؤدي لنتيجة فعالة، وإنما هو مصيدة جديدة لابتزاز المصاب بعجز جنسي وخصوصاً أن شعوره بالعجز يجعله عرضة للتأثر أكثر من غيره.
ويجمع العديد من المختصين النفسيين على أن العوامل النفسية تلعب دوراً في كل حالة من حالات العنانة مهما تكن هذه في حال كان هناك سبب عضوي، وهذه الحالات ليست ذات جذور عميقة بل يمكن اكتشافها بتفحص الوضع الراهن للمريض دون الغوص عميقاً في الخبرة الطفيلية المباشرة والعوامل الأكثر أحداثاً هي الجهل والمحرمات الثقافية وسوء التواصل وتدوم المشكلة عادة جراء حلقة معينة من الفشل الذي يقود للخوف من الفشل ثم المزيد منه.
الفياغرا.. ثمناً لأصوات الناخبين:
يقول الخبر: في تايلندا تفتقت أذهان بعض المرشحين للانتخابات عن توزيع حبوب الفياغرا لكسب أصوات الناخبين في أول انتخابات تشريعية تجري في البلاد منذ انقلاب العام قبل الماضي، أما أذهان العطارين فتفتقت بدورها عن ابتكار خلطات خلبية بسعر خيالي مع وعود إنهائها للعجز الجنسي خلال أيام معدودة متناسين احتمال ما يمكن أن ينتج عنها من مضاعفات صحية قد تودي بحياة المريض بهدف الربح فقط؟!.
مجلة ابيض و أسود